رد: القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم
كُتب : [ 31-08-2015
- 11:18
]
ولعل النقاط التالية تكشف بعض ما ينبغي رعايته في هذا المجال:
1- قرار المرأة في البيت.
الزعم بأن قرار المرأة في بيتها تعطيل لنصف المجتمع زعم باطل، ودعوى كاذبة، ومغالطة مكشوفة، لأن عمل المرأة في بيتها، وتربية أطفالها، وإسعاد نفسها وزوجها، أشرف من كل عمل، وهل إنتاج الحديد والأسمنت، وسائر مظاهر الحضارة، يضارع إنتاج البشر، وتنمية العقول، وتربية الأنفس، وتهيئة أجواء السعادة.
إن على الأمة الإسلامية أن تبتعد عن النظر بمنظار الرأسمالية، التي لا يعنيها سوى كمية الإنتاج، ومقدار الدخل، ولو شقي الإنسان، وتحطمت آماله، وتهدمت أسرته.
وعلى الأمة أيضًا أن تعي سرّ كثير من الضوائق الاقتصادية، وزيادة معدلات التضخم، وهو حمل البشرية جمعاء، ذكورًا وإناثًا، على أن يكونوا عمالًا مضطهدين، لإدارة ترسانة الرأسمالية الحاطمة.
2 - الإسلام لا يمنع المرأة من العمل:
من حيث المبدأ لا يمنع الإسلام المرأة من العمل، وليس الخلاف هل تعمل المرأة أو لا تعمل؟ فالمرأة عاملة منذ هبطت إلى الأرض، ولم تُعرف أمة، ولا حضارة، لا تعمل نساؤها، سوى الفئة المترفة الشاذة، وإنما الخلاف:
أ- هل تعمل المرأة كأجيرة عند رجل أجنبي يتخلي بها، أو تكون تحت تسلطه، أو تحت تأثيره بإغواء إغراء؟!
ب- هل تعمل المرأة بما يتعارض مع وظيفتها الأساسية كأم، وزوجة، ومربية أولاد، وراعية أسرة؟!
ج - هل تعمل المرأة في مجال يتعارض مع أنوثتها، وحيائها، وتعاليم دينها، في الخفر والستر، وصيانة العرض، وبعدها عن الخشونة والترجل؟!. وبناءً على ذلك فإن هناك شروطًا في خروج المرأة للعمل هي:
أ - أن يكون هناك حاجة ماسة للعمل، تدعو إلى مخالفة الأصل، وهو القرار في البيت، فلا ينبغي أن يكون عمل المرأة ترفيهًا، أو زيادة دخل للأسرة، فإن المخاطر المترتبة على ذلك كبيرة وخطيرة، في أغلب الأحوال، والعاقل من يصون عرضه بماله:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض في المال([1])
ت- أن لا يستنزف العمل جهد المرأة، ووقتها، أو يتعارض مع وظيفتها الأساسية([2])، في رعاية الأسرة، وتربية النشء، وتلطيف أجواء الحياة الزوجية.
ج - أن لا يتعارض العمل مع أنوثتها([3])، أو يقضي على حيائها، أو يقتضي ترجلها، أو لا يتوافق مع كيان المرأة النفسي والجسدي.
د - تجنب الاختلاط بالرجال، وتحقق السلامة من الخلوة المحرمة.
هـ - أن تخرج لعملها كإنسانة، لا كأنثى، فتبتعد عن التبرج([4])، والتعطر، والتزين.
وعلى ضوء ذلك يتبين أنه لابد من حصر عمل المرأة في مجالات معينة، تتحقق فيها تلك الشروط، أما إطلاق العنان للمرأة بأن تدخل كل مجالات الأعمال، كأن تكون مهندسة، أو طيارة، أو جندية، أو عاملة صيانة، أو مصنع، أو سائقة شاحنة، أو عاملة نظافة، أو موظفة في الإدارات الحكومية، أو المؤسسات الأهلية، مع الاختلاط والخلوة بالرجال، كما هو الشأن في المجتمعات الغربية، ويسعى إليه المفتونون بها في مجتمعاتنا الإسلامية، فهذا مما لا يبيحه إسلام، ولا تقره مروءة، ولا تسمح به غيرة أولياء تلك المرأة!.
إن هذا الانفتاح من أعظم أسباب قلق المجتمع، وضياع أسره، وتشتت ناشئته، وتفكك روابطه، وتخلخل ثوابته.
وها هي بعض شهادات العقلاء من الغربيين، بعد أن ذاقوا ويلات عبث الرأسمالية، يقول العلامة الإنجليزي «صامويل سمايلس»: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة الزوجية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة»([5]).
ويقول الفيلسوف «برانزاندرسل»: «إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة، وتأبى أن تظل أمينة لرجل واحد، إذا تحررت اقتصادياً»([6]).
وتأمل خطورة الاختلاط بين الجنسين، والتعري، وانتشار صور الفتيات العارية، في شهادة الدكتور«جون كيشلر» أحد علماء النفس الأمريكيين، في مدينة شيكاغو، حيث قال: «إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي، وإن 40% من الرجال مصابون بالعقم» ثم ذكر أن تعري الفتيات، خاصة في الإعلانات، سبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي([7]).
بل أن النساء أنفسهن اكتشفن الوهدة التي سقطن فيها، بسبب موضة العمل، فقد أجري استفتاء عام، في جميع الأوساط في الولايات المتحدة، لمعرفة رأي النساء العاملات في العمل، وكانت النتيجة كالأتي: «إن المرأة متعبة الآن، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهم، كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنية العمل، أما اليوم - وقد أدمت عثرات الطريق قدمها، واستنزفت الجهود قواها - فإنها تود الرجوع إلى عشها، والتفرغ لاحتضان أفراخها»([8]) ولكن هيهات! وقد تخلص الرجل من عبئها، وحملها همومها وهموم ذريتها.
وأسوق إلى العقلاء من قومي مقتطفات من توصية القاضية السويدية «بريجيت أوف هامر» التي كلفتها الأمم المتحدة بزيارة بعض الدول الغربية، لدراسة مشاكلها، وأوضاعها الاجتماعية، وقد أشارت القاضية إلى أن السويد - أرقى البلاد الغربية تمدنًا حسب اصطلاحهم - تعيش في مأساة، ثم قالت: «إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت وهمًا هائلًا هو الحرية، بثمن مفزع هو سعادتها الحقيقية وهي تحن إلى حياة الاستقرار العائلية، المتوازنة جنسيًا، وعاطفيًا، ونفسيًا، فهي تريد أن تتنازل عن معظم حريتها في سبيل كل سعادتها» ثم تقول: «إن النتيجة على مستوى الأمة مذهلة حقًا» ثم ذكرت نسبًا مروعة للمرضى النفسيين، والمصابين عقليًا والمصابين بالأمراض الجنسية، نتيجة للاختلاط، وعمل المرأة فيما لا يليق بها([9]).
3 - أضرار التوسع في عمل المرأة:
إن الحكمة تقتضي قصر أعمال المرأة في مجالات معينة، تلائم طبيعتها كأنثى، وتحفظ دينها وأخلاقها، وتفرغها لمد المجتمع ببناته، وصانعي حضارته، ويمكن إجمال الأضرار التي تنجك عن التوسع في عمل المرأة، واقتحامها كل الميادين بما يلي:
أ- تفكك الأسرة، وانحلال أخلاقها، فإن اقتحام المرأة جميع الميادين يقتضي اختلاطها بغير زوجها، واختلاط زوجها بغيرها، وكل طرف يجد من الملاطفة، والملاينة من زملاء العمل، ما لا يجده عند زوجه، فتنهار الأسرة، وتدمر الأخلاق([10]).
ب- شقاء المرأة وتعاستها، فهي ضعيفة الخلقة، وتعتريها ظواهر تزيد ضعفها، كالدورة الشهرية، والحمل والولادة([11])، وانشغال البال بالأطفال، ورب العمل لا يعنيه إلا أداء عملها الذي تأخذ عليه أجرًا.
إن من فظائع الرأسمالية وقبائحها الزج بالمرأة في معترك العمل، وحملها على اقتحام صعاب الحياة، دون مراعاة لحالتها النفسية والصحية، ودون تحمل شيء من وظائفها الأساسية، فحملت المرأة وظيفة العمل مع وظيفتها الأصلية، المتمثلة في الأمومة والزوجية، وتصريف شؤون البيت، وفرغ الرجل - وهو القوي الأشد - لوظيفته الأساسية وهي الكد والكدح، ولم يحمل شيئًا من وظائف المرأة.
ج- ضياع الأولاد، وسوء التربية، وما يترتب على ذلك من جنوح الأحداث، والشذوذ، والأمراض السرية([12])، والغلو والإرهاب، والتأثر بأعداء الدين والبلاد.
د - تأخير الزواج، أو العزوف عنه بالكلية، تخوفًا من عواقبه، وانشغالًا بالعمل، واكتفاء بما يدر من مال.
هـ - تعمد عدم الإنجاب، أو التقليل من الأولاد، ولا يخفى ما في ذلك من خطر على الأمة والمجتمع.
و - انتشار الزنا، وكثرة اللقطاء، والإيذان بهلاك المجتمع، وفق مقتضى السنن الربانية، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}([13])
ز - مزاحمة الرجال، وتعطيلهم عن العمل، ففي أغلب الأحوال تكون مجالات الأعمال محدودة، وتوسيع دائرة أعمال المرأة تضييق لدائرة أعمال الرجل، وهذا خلاف الحكمة، إذ تتعطل الرجال عن أعمالهم، وتنتشر بين الشباب البطالة([14])، وكذلك تتعطل النساء عن وظائفهن الأساسية في البيوت، ومقتضى العقل والحكمة ومصلحة المجتمع، تضييق دائرة عمل المرأة لتفريغها لمهمتها الكبرى، ووظيفتها العظمى، كأم وزوجة ومربية، ومستقر مودة ورحمة، وموطن أنس وسكن.
([1]) البيت الحسان بن ثابت، انظر شرح ديوانه للأستاذ عبد أ. مهنا، ص192.
([2]) انظر: الإسلام وبناء المجتمع، أ.د حسن أبو غدة وآخرين ص: 94.
([3]) انظر: دور المرأة في المجتمع، توفيق وهبه ص: 186
([4]) انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 275.
([5]) المرأة بين الفقه والقانون، د/مصطفي السباعي ص: 252.
([6]) المرجع السابق(2/92).
([7]) انظر: حصوننا مهدده من داخلها، د/محمد محمد حسين ص: 75.
([8]) المرجع السابق، ص: 259.
([9]) انظر: دور المرأة في المجتمع الإسلامي، ص: 22. وللتوسع في هذا الموضوع انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 27، وحقوق المرأة المسلمة، ص: 55، والإسلام وبناء المجتمع لأبي غدة وآخرين، ص: 94.
([10]) انظر: المرأة في ظل الحضارة الغربية، د. محسن عبد الحميد: ص: 7،6،والنظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 278.
([11]) انظر: الإسلام وبناء المجتمع، أ.د حسن أبو غدة وآخرين ص: 94.
([12]) انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 278.
([13]) سورة الإسراء، الآية: 16.
([14]) انظر: المصدر السابق.
|