رد: {سلسلة فوائد لغوية}
كُتب : [ 10-12-2010
- 21:41
]
لفظ :/( أما بعد) :
الكلام على "أما" ومعناه :ـ
أما لفظها : فإنها ـ بالفتح ـ وقد تبدل ميمها الأولى ياءً ؛استثقالا للتضعيف ، كقول عمر بن أبي ربيعة :
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحي وأيما بالعشيِّ فيخصر
وأما معناها : فإنها حرف شرط ،وتفصيل ، وتوكيد
أما كونها حرف شرط فيدل له لزوم الفاء بعدها ، كقوله تعالى :
[ فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم]
وقد يستغنى عنها للضرورة ، كما في قوله :
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشرّ بالشرّ عند الله مثلان
ويكثر حذفها مع القول
وأما كونها للتفصيل فهو غالب أحوالها ؛ وقد تأتي لغير تفصيل نحو :
أما زيد فمنطلق .
وفائدة" أما" في الكلام أن تعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك ، وأنه لا محلة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة قلت : أما زيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء ، فزيد ذاهب .
وهذا التفسير مدلٍ بفائدتين :
بيان كونه توكيدا ، وأنه في معنى الشرط .
والكلام على : " بعد "
قال الفيومي : " بعد " ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره ، وهو زمان مُتراخٍ عن السابق ، فإن قرُب منه قيل : قُبيل بالتصغير ، أي قريبا منه ، ويسمى تصغير التقريب وهو من الأسماء الملازمة للإضافة التي بينها ابن مالك في الخلاصة بقوله :
واضمـم بنـاءً" غيراً " إن عدمـت ما * لـه أضيـف ناويـا مــا عـدمـا
"قبل" كـ"غيرُ" "بعدُ" "حسْبُ" "أولُ"* ودون والجهات أيضا و"علُ"
قال أبو جعفر النحاس عن سيبويه : "أما بعد" :مهما يكن من شيء بعد ،وقال الزجاج : إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال : أما بعد .
وأجاز الفرّاء "أما بعد اً" بالنصب والتنوين ، و"أما بعدُ" بالرفع والتنوين ،وأجاز ابن هشام "أما بعدَ" بفتح الدال .
( انظر عمدة القاري ـ 5/311ـ وفتح الباري ـ3/67)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب قال : أما بعد ، وقد عقد الإمام البخاري في "كتاب الجمعة " من "صحيحه" بابا فقال :" باب من قال في الخطبة بعد الثناء : أما بعد " ، فأورد حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في الكسوف بطوله وحديث عمرو بن تغلب ـ رضي الله عنه ـ في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم الفيء ،وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليلا في المسجد فصلى رجال بصلاته .....وغيرها
قال الحافظ في الفتح :" ويستفاد من الأحاديث أن "أما بعد" لا تختص بالخطب بل تقال أيضا في صدور الرسائل والمصنفات ، ولا اقتصار عليها في إرادة الفصل بين الكلامين ،بل ورد في القرآن في ذلك لفظ [ هذا وإن للطغين لشر مئاب]
وقد كثر استعمال المصنفين لها بلفظ "وبعد" ومنهم من صدر بها كلامه فيقول : أما بعد حمد الله فإن الأمر كذا ولا حجر في ذلك "
وقد تتبع طرق الأحاديث التي وقع فيها " أما بعد" الحافظ عبدالقادر الرّهاوي في خطبة "الأربعين المتباينة" له فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا " اهـ ( الفتح)
فتبين مما تقدم من النصوص أن السنة في الخطب والرسائل والمصنفات أن يؤتي بـ"أمابعد" وهذا مما يتساهل فيه كثير من الخطباء وأصحاب الرسائل والكتب فاكتفوا بقولهم :"وبعد" وليس له أصل في السنة ،ومنهم من يقول :"ثم أما بعد" ، بزيادة ثم وهذا أيضا لم يرد ، فالعمل بما ورد في السنة وهو : "أما بعد" هو المتعين .
فائدة :ـ
قال الحافظ : " اختلف في أول من قالها :
فقيل : داود عليه السلام ـ رواه الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي إسناده ضعف ، وروى عبد ابن حميد والطبراني عن الشعبي موقوفا أنها فصل الخطاب الذي أعطيه داود عليه السلام ....
وقيل : أول من قالها يعقوب رواه الدار قطني بسند واهٍ في غرائب مالك ، وقيل أول من قالها يعرب بن قحطان ، وقيل كعب بن لؤي أخرجه القاضي أبو أحمد الغساني من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بسند ضعيف وقيل سحبان بن وائل ، وقيل قسّ بن ساعدة ... قال الحافظ : الأولى أشبه ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة والبقية بالنسبة إلى العرب خاصة ، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القبائل " اهـ
وقيل : في هذا الجمع نظر ، لأن الجمع فرع عن الصحة وهذه الأقوال لم تصح أصلا ، اللهم إلا أن يراد الجمع على تقدير الصحة ، وأيضا أن كون داود أو يعقوب أول من قالها محل توقف ، إذ لغتهما ليست عربية فليتأمل وجمع بعضهم هذه الأقوال نظما في قوله :
جرى الخُلْفُ "أما بعد" من كان قائلا*لها خمس أقوالٍ وداود أقرب
وكـانت لـه فصل الخطــاب وبعــده *فقسُّ فسحبـان فكـعب فيعرب
ولما أهمل الناظم ذكر يعقوب عليه السلام ذكره بعضهم مع بيان ضعف أسانيدها كلها نظما :
وقد زيد يعقوب النبي عليهم * أسانيدها وهت فليست ترغّب .
|