رد: إقامة الدليل على المنع من الأناشيد الملحنة والتمثيل
كُتب : [ 15-03-2015
- 23:00
]
فصل
في ذكر أشياء من التمثيليات السخيفة المستهجنة
فمن ذلك ما فعله بعض الطلاب في بعض المراكز الصيفية حيث جعلوا شيطانا إنسياً يمثل إبليس ويمثل وسوسته للناس بترك المأمورات وفعل المنكرات، فجعل الشيطان الإنسي يدنو من بعض الحاضرين ويوسوس لهم بما يترتب عليه غضب الله وعقابه فيزين لهم الأشياء المحرمة ويأمرهم بفعلها ويهون عليهم أمر الفرائض والواجبات ويأمرهم بتركها، وجعل الحاضرون يضحكون من هذا التمثيل بملء أفواههم.
وهذه القصة السخيفة من أقبح القصص التي ذكرت عن المفتونين بالتمثيل وهي من تلاعب الشيطان بهم وسخريته منهم ومن الحاضرين عندهم.
ومن القصص التمثيلية السخيفة جداً - بل الشركية - ما أخبرني به من أثق به من أهل العلم أنه لما كان يدرس في المعهد حضر عند بعض الطلاب وهم يمثلون شجرة تعبد من دون الله، فذكر أن بعضهم قاموا أمام الشجرة ورفعوا أيديهم نحوها يدعونها من دون الله ويسألونها قضاء حوائجهم فجاء أحد الحاضرين يمثل نفسه برجل عابد يريد أن يقطع الشجرة التي تعبد من دون الله، فجاء آخر منهم يمثل نفسه بإبليس فنهى المتمثل بالعابد عن قطع الشجرة وصارعه فصرعه المتمثل بالعابد، فقال له المتمثل بإبليس: اترك الشجرة اليوم وأنا أعطيك دينارا، فأخذ المتمثل بالعابد الدينار وترك قطع الشجرة في ذلك اليوم، ثم جاء في اليوم الثاني ليقطعها فأعطاه المتمثل بإبليس دينارا آخر فتركها، ثم جاء في اليوم الثالث فطلب الدينار فأبى المتمثل بإبليس أن يعطيه شيئا فصارعه المتمثل بالعابد فصرعه المتمثل بإبليس وقال له: إنما كنت تغلبني إذ كان عملك لله، فأما اليوم فقد صار عملك للدينار فغلبتك.
قلت: وهذه التمثيلية السخيفة من أقبح التمثيليات التي ذكرت عن الممثلين، وهي من التمثيل لشجرة العزى ونحوها من الأشجار التي كانت تعبد من دون الله. فالطلاب الذين قد مثلوا أنفسهم يدعون شجرة من دون الله قد جعلوا لله نداً وأشركوا به شركاً أكبر. وقد قال الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{([1]), وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا{([2]).
ولا يخفي على عاقل ما في فعل الذين يمثلون عبادة الشجرة من الشرك مع ما في ذلك أيضا من السخف والرعونة. وأما المتمثل بإبليس في هذه القصة، وفي القصة المذكورة قبلها، فهما أسوأ حالا من الذين أشركوا بالشجرة لأن كلا من هذين قد جعل نفسه بمنزلة الشيطان الرجيم الذي قد لعنه الله وطرده من الملأ الأعلى وآيسه من رحمته وأمر بني آدم أن يتخذوه عدواً، وحذرهم من فتنته، ولو كان عند المتمثل بإبليس دين ثابت لمنعه دينه من التعرض لسخط الله وأليم عقابه، ولو كان له عقل سليم لمنعه عقله مما يدنس ويُشين عند ذوي العقول السليمة.
وأما الحاضرون عند المتمثل بإبليس والمتمثلين بعبّاد الشجر فلكل واحد من الراضين بالتمثيل نصيب من الإثم والإفك الذي فعله المتمثلون لأن الراضي بالذنب كفاعله، والدليل على هذا قول الله تعالى: }وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ{([3]). والأدلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرت طرفا منها في كتابي المسمى (إعلان النكير، على المفتونين بالتصوير) فلتراجع هناك.
وإنه ليخشى على اللذين تشبها بإبليس في القصتين المذكورتين في أول الفصل أن يكون كل منهما خارجاً من الإسلام، وكذلك الذين وقفوا أمام الشجرة يدعونها من دون الله ويمثلون أفعال الذين يعبدون العزّى وغيرها من الأشجار ويدعونها من دون الله. وقد ورد التشديد في الحلف بالبراءة من الإسلام، وهو في حالة الصدق أهون بكثير من التمثل بإبليس وبعبّاد الأشجار. فروى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال إني برئ من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالماً»، وفي رواية لأحمد: «من حلف أنه برئ من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالماً» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه.
فليتأمل المتمثلون بإبليس وبعبّاد الأشجار هذا الحديث حق التأمل، ولا يأمنوا أن يكون لهم نصيب من البراءة من الإسلام لأن التمثيل الذي قد فعلوه هو صريح الكفر والشرك، وأي كفر أعظم مما كان عليه عدو الله إبليس، وأي شرك أعظم من دعاء الأشجار وجعلها أنداداً من دون الله.
وبالجملة فإن المتمثلين بإبليس وبالذين يدعون العزّى وغيرها من الأشجار قد وقعوا في خطر عظيم وأمر مناقض للإسلام؛ فعلى من فعل هذا المنكر الوخيم أن يتدارك نفسه بالتوبة النصوح والإنابة إلى الله تعالى والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الحسنات يذهبن السيئات. وعلى غيرهم من المؤمنين أن يحذروا من الوقوع في مثل هذه الأمور الفظيعة والزلات الشنيعة والمزالق الخطرة التي وقع فيها الجاهلون بما يناقض الإسلام.
ومن الأحاديث الواردة في التشديد بالحلف بملة غير الإسلام حديث ثابت بن الضحاك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بملة سوى الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا متعمداً فهو كافر». ومعنى الحلف بملة غير الإسلام أن يقول هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وكذا، وقد جاء النص على ذلك في حديث رواه الحاكم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فهو كما حلف، إن قال هو يهودي فهو يهودي، وإن قال هو نصراني فهو نصراني، وإن قال هو برئي من الإسلام فهو برئ من الإسلام» صححه الحاكم وفي إسناده ضعف. وروى ابن ماجه عن أنس، رضي الله عنه، قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: أنا إذا ليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، في إسناده بقية بن الوليد وقد رواه بالعنعنة وهو مدلس. ويشهد لهذا الحديث أبي هريرة المذكور قبله ما تقدم قبلهما من حديث بريدة وثابت بن الضحاك، رضي الله عنهما.
وإذا علم ما جاء في هذه الأحاديث من التشديد في الحلف بالبراءة من الإسلام والحلف بملة غير الإسلام كأن يقول هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وكذا، فليعلم أن التشبه بإبليس وبعبّاد الأشجار أعظم من ذلك بكثير لأن كلا من المتشبه بإبليس وبعباد الأشجار قد جعل نفسه بمنزلة من تشبه به وذلك يقتضي الكفر. والتشبه بإبليس يقتضي أيضا أن يكون المتشبه به من الشياطين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبن عمر، رضي الله عنهما، وقد تقدم الكلام عليه فليراجع. ومما تقدم في الكلام عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن ظاهره يقتضي كفر التشبه بهم كما في قوله تعالى: }وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{([4]).
ويجب على الذين مثلوا أنفسهم بإبليس وبعبّاد الأشجار وهم جاهلون بما تشتمل عليه هذه الأفعال الوخيمة من المنافاة لدين الإسلام أن يبادروا إلى محو هذه الزلات بقول: لا إله إلا الله، والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة. فقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال في حلفه واللّات والعزّى فليقل لا إله إلا الله». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([1]) سورة النساء، الآية:48.
([2]) سورة النساء، الآية:116.
([3]) سورة النساء، الآية:140.
([4]) سورة المائدة ، الآية:51.
|